U3F1ZWV6ZTc0ODc3NjU4MDY5NzRfRnJlZTQ3MjM5MzAxNDQzODE=

كمامة حسينة _ فاطمة حسين

كمامة حسينة

كمامة حسينة - القاصة فاطمة حسين

 اسمها حسينة لا أعلم ما خطر ببال والديها كي يسمونها بهذا الاسم الذي تحرفت حروفه باكرا وأصبحت لعنة تلاحقها كي تتعثر بها في كل درب.. منذ زمن طويل اصبح الجميع ينادونها حزينة وهذا اللقب يليق بها اكثر اذ ان الحسن تلاشى قبل ان تنتصف الثلاثين من عمرها السريع المتعثر.. أم الحزن فهو باق ومتجذر ومهيمن تماما على دفة القيادة لسفينة حياتها المثقوبة بأوجاع الحياة.. تزوجت باكرا بابن عمها الذي نقلها من أقصى الشرق في بوكمال الجفاف والصبار وأتى بها الى ارض الياسمين... فمزقت  ثياب الغربان السوداء ونفضت غبار الأيام السالفة وبدأت هي وجاسم قصتها بمباركة من دمشق الام.. كانت تستمتع بكل لحظة تمر عليها هنا.. تلاطف السماء بامتنان وتقدس الأرض برضا تام.. بين جموع المتعبين والغير آبهين كانت سعيدة فقط لأنها على قيد دمشق.. لان دمشق كانت الحياة وسقف الاحلام المطلي بذهب الأمنيات .. وقصة العمر المثيرة في ركام الاحداث الصغيرة البالية في بلدتها النائية... كانت تغوص بالزحام تجر أطفالها الثلاثة وتحمل رابعهم على صدرها بفرح وثقة ولا تهتم بثيابهم الرثة او شعورهم الغير مرتبة .. و تضحك بصوت عال، تتكلم بلهجتها المحلية غير آبهة بشي... غير وجودها الاستثنائي في حضن دمشق كأنها غراب يطير بفرح في سرب حمامات بيضاء.. كان تشعر باختلافها لكنها سعيدة به . في غمرة فرحها اليومي العفوي... تشظى العمر... وأرسل القدر لطمة لها كي تكف عن الفرح الغير مبرر... مات جاسم!!!! .. ولم تفهم كيف مات ولماذا؟ كان يعمل في سوق الهال وعاد محمولاً على الاكتاف  ميتاً.... حزينة استسلمت تماما لاسمها ولثوبها الأسود وللصبار الذي ينمو على جسدها عنوة.. وفي كل مكان تطأهُ روحها... تسلحت بأولاها في وجه الفجيعة ورمت بدفاترهم واقلامهم في نيران العوز.. فأرسلت الأولاد لأعمال حرة بيوميات ضئيلة.. كي تبقى متشبثة بدمشق التي افلتت يدها عنها  وأغلقت الباب في وجهها..
الشقاء وسم على جبينهم وفي أسمالهم.. جاء الوباء... طُرد الأولاد من العمل... وزاد الطلب اليومي على الطعام الذي أصبح وجبة رز.. وخبز.. وأغلقت الافران... اين تذهب حزينة بهذا الحجم الكبير من الجوع الذي لم يعد بإمكانها تطويقه بإكثار الخبز والبقول  والأولاد الذين ينتظروها دائماً وعيونهم تراقب يديها الفارغة او المحملة بأكياس الشقاء الفارغة الا من الذل  ... انها تجوب الشوارع بحثاً عن معتمد للخبز تلجأ اليه.. ولم تجد أحدا بعد .. جاءت سيارة خبز  كبيرة ركضت حزينة مع من ركضوا تضع كمامة قد اقتنتها من أحدا الصيدليات وقد ضحت بمبلغ تحتاجه كي لا يستوقفها متفزلك ويخبرها عن ضرورة الكمامة.. و خطورة العدوى من الفايروس.. ولم يفكر أحدا هل الفقر فايروس اكثر خطورة.. لكنه ليس معدي كي ينشره الفقراء على ارصفة الأغنياء.. غابت في زحام الأجساد لتلتقط رغيف.. خرجت بربطة خبز.. وكانت عباءتها قد تعفرت بالتراب وغطاء رأسها ازيح ليكشف عن نصف   شعرها .. وبدون كمامة... اين كمامتي صرخت... وحين بحثت وجدتها تحت نعال الناس وقد تعفرت كقلبها بالتراب... سحبتها من بين ارجلهم  ونفضتها... ونفضت دموعها المتناثرة على الارغفة التي لا تسد جوع المنتظرين عودتها.. سارت تحمل كمامة معفرة بالتراب وخبز مغمس بالدموع.. وقلب داسته النعال..

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة